الجمعة، 23 سبتمبر 2011

نبوءة



نبوءة

------

بصوتٍ رخيم قالت لي العرافة وعيناها تتطلعان إلى أغواري .. "سيكتمل الرحيل عند الرقم سبعة وعندها ستتعلم الحكمة "

الرهبة
-------

أمسك بين يديَّ بمجموعة من أوراق اللعب التي تلمع عاكسة ضوء المصباح الصغير ذو الإضاءة المتوسطة والذى يتوسط سقف تلك الغرفة الصغيرة الخالية من الأثاث إلا من منضدة صغيرة تتوسطها أوراق اللعب وكرسي صغير يواجهها أجلس عليه متوتراً.
بيد مرتجفه أتناول أوراق اللعب والتي حصلت عليها منذ سنوات طويلة من تلك العرافة العجوز ... تلك الأوراق التي مازالت محتفظة ببريقها رغم السنين وأخلطها بحركات سريعة مرتبكة ثم أضعها وظهرها إلى الأعلى فى مواجة عينيَّ الزائغتين ... أمد يداً مترددة لأسحب أولى الأوراق وقلبي ينتفض بين ضلوعي وكأنني أسحب إحدى أوراق التاروت المشئومة
أمسك بالورقة المصقولة بين أصابعي وفي بطء أغير إتجاهها لتواجه عيناي المرهقتين .. توترت عضلات وجهي بشدة وأنا أرى الرقم سبعة والذي أخشاه كالطاعون ظاهراً وجلياً.
إنها النهاية إذن .. قد إكتملت النبوءة .. كل ما حكته لي تلك العرافة فى ذلك اليوم الكريه قد تحقق ولم يبق لي إلا الرحيل ..


الرحيل
-------

سنوات طوال مرت بعد ذلك اليوم .. لم يحدث شيء ذو أهمية إلا أنني إكتشفت أنني قد أضعت الكثير من سنوات حياتي في الخوف من وهم لا وجود له .. فاليوم أكمل عامي السبعين ومازلت متمتعاً بصحة جيدة وأحيا سعيداً مع أبنائى وأحفادي وقد تعلمت الحكمة والتفكير المتأني و ....
توقفت أفكاري بصورة مفاجأة عند تلك النقطة وصرخ عقلى قائلاً .. سبعين .. تعلمت الحكمة ؟؟؟
تتجسد النبوءة من جديد أمام عيني وأنا أعبر الطريق الخالي من السيارات تقريباً إلا من تلك السيارة المسرعة و التي ظهرت فجأة من ذلك المنحنى والتي لم يتوقع قائدها أن يجدني أمامه بصورة لم تسمح له بأن يتفاداني و بسرعة لم تسمح له بالتوقف المفاجئ .. و .......... كان الرحيل !!

خاتمة ضرورية
--------------

أصدقائي الأعزاء .. القصة من وحي خيالى ولا تمثل أي نوع من التصديق لأمور ليست بواقعية فأنا أؤمن تماماً أن الغد بيد الله تعالى فقط وأن المنجمون كاذبون ولو صدقوا.

عمرو عصام ®

الخميس، 2 ديسمبر 2010

سقوط .. (حدوتة).



" الدنيا كالسلم ..كلما صعدت درجاتها أكثر كلما كان سقوطك من عليها مدوياً .. مؤلماً .. بل ربما كان قاتلاً "
كانت كلمات قليلة سمعها منذ زمن بعيد ولازالت أصدائها تتردد في أذنيه .. صدق تلك الكلمات إلى درجة الإيمان حتى سيطرت على حياته تماماً .
والآن بعد أن ضاع العمر .. وبعد أن شاخ الجسد .. وجد نفسه وحيداً فى المؤخرة لأنه وحده - رغم كل السنوات الضائعات - مازال يخشى السقوط!

الأحد، 7 نوفمبر 2010

خلطبيطة .. رواية مملة .. جداً



الشخصيات:

أ ب س ص

الحكاية :

الفصل الأول


أ يحب س
س تحب ب
ب يحب ص
ص تحب أ

الفصل الثاني

أ لا يثق فى س
ب يحقد على أ
س تكره ص
ص تتهرب من ب

الفصل الثالث

أ ب س ص

عالمنا العربى وصراعات لا تنتهي ..

حد فاهم حاجه ؟؟!

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

بقايا الأمنيات .. (قصة قصيرة).



ألهث بشدة وتئن أقدامي المرهقة كثيراً وأنا أصعد ببطء شديد على ذلك الطريق الغير ممهد والذي يرتفع بصورة تكاد تكون مستحيلة حتى أن خطواتي عليه قد بدأت تتخذ شكلاً رأسياً إلى حدٍ ما مما ذكرني بمشهد تسلق الجبال في أحد أفلام (ستالون).
دخان ضبابي يرتفع ببطء حول أقدامي ويزداد رويداً رويداً مما جعل من رؤية الأرض التي أخطو فوقها أمرٌ صعب للغاية أو ضرب من خيال ، ولكنني بإصرار لم أعهده في نفسي من قبل أستمر مثابراً في الصعود مقاوماً الإرهاق ومقاوماً ذلك العرق الغزير المتصبب على جبيني رغم برودة الجو والتي إزدادت وطئتها حتى أحسست بأنفاسي تكاد تتجمد عند طرف أنفي.
لا أعلم على وجه التحديد إلى أين يأخذني ذلك الطريق ولكنها تلك الرغبة الخفية والملحة التي تضغط على إرادتي فتدفعني للإستمرار وكأنني مسيرٌ تماماً أو مغيب عن الإدراك.
يضنيني المجهود الشاق الذي أبذله حتى أواصل المضي في ذلك الطريق - المستحيل - ولكنني أستمر برغم ذلك وكلي جزل ونشوة وكأنني طفل صغير يعلم جيداً أنه سيجد مكافأته من (البونبون) في نهاية ذلك الطريق.
بدأت ألمح على جانبي الطريق ملامح أشجار يابسة تماماً ترسبت الأتربه على جذوعها وفروعها لسنوات طوال حتى إستحال لونها إلى ما يقترب - وبشدة - من اللون الأسود.
الظلام يتزايد من حولي حتى أصبحت الرؤية عسيرة للغاية إلا أنني أستمر بذات الإصرار في طريقي وكلي أمل أن أصل إلى ذلك الضوء الضئيل المتواضع والذي يظهر بصعوبة على مرمى البصر فى نهاية الطريق والذي قد حسبته بلا نهاية.
خطواتي تتثاقل وتتثاقل ولكنني بلا يأسٍ أستمر .. أغمض عينى في محاولة يائسة لتناسي إرهاقي الشديد بلا فائدة .. وأخيراً أصل .. يرتمي جسدي المنهك على الأرض مستجمعاً أنفاسي ثم أرفع عينين مرهقتين لأتأمل المكان من حولي .. أرض ترابيه متسعة يضيئها مشعل صغير مثبت في قائم خشبى تقاوم نيرانه الهواء الشديد الذي لا أدري مصدره .. أستجمع قواي من جديد لأقف مترنحاً مقترباً من حافة المكان .. تحاول عيني أن تخترق حدود الظلمة بلا فائدة .. كل ما أستطعت أن أراه خلف الحافة هو تلك الهاوية السحيقة التى تبدو بلا قرار .. هاوية مظلمة سوداء تماماً .. أعلم جيداً في قرارة نفسي أنها هدفي المنشود .. أعلم جيداً أنني أنتمي وبشدة إلى تلك الهاوية .. أسمعها تناديني .. تعاااااااااااال .. تعااااااااااااال .. ولا أجد في نفسي القدرة على المقاومة .. فأنا غريب عن هذا المكان .. غريب عن ذلك الطريق الذي أضناني حتى وصلت إلى هنا .. كم أرغب في الرحيل .. أرغب في الذهاب بعيداً إلى أحضان تلك الهاوية .. أقترب أكثر وأكثر من الحافة .. أرفع عيني إلى سماء غير موجوده ..لم يستغرق الأمر الكثير من التفكير .. أرفع ذراعين مفرودتين إلى جانبى وكأنها أجنحة .. أندفع بجسدى إلى الأمام بحركة هادئة .. تبتلعنى الهاوية .. أسقط .. أسقط .. أسقط .. ينهار جسدي متهاوياً في سرعة جعلتني لا أدري هل الأرض حقاً هي من تجذبني نحوها كأم تضم طفلها في حنو أم أنني أنا الذي يجذبها في لهفة العاشقين ..يتجسد أمام عيني الكثير من الوجوه التي مرت بي خلال سنوات عمري .. وجوه مبتسمة ووجوه عابسه .. ضحكاتٌ ونواحٌ وأنين .. صداقات سطحية وعلاقات نسائية عابرة ..صرخاتٌ تخترق أذني تتبعها صيحات إستهجان وشخص غير موجود يتصايح بكلمات نابية .. وجه أنثوي ملطخ بالأصباغ والألوان وكأنه وجه أحد كهنة الهوتو ..
يتعالى الصراخ المختلط بضحكات هيستيرية ساخرة حتى يكاد يصم أذني .. ثم فجأة يصمت كل شئ ولا يبقى أمام عيني إلا وجهين إثنين .. وجه أمي الحنون يتطلع لي في إشفاق وألم .. ووجه ذلك المهرج الذي ولطالما أضحكني في طفولتي بألوانه الزاهية وأنفه المستدير الأحمر اللون . إلا أنه بدا لي تلك المرة دامع العينين باكياً في تناقض مريع.
وأخيراً أتت لحظة الإرتطام ومع تلك الصدمة العاصفة والتي شعرت بها تحطم عظامي إنتفض جسدي مستيقظاً في فراشى مبسملاً ..صمتت قليلاً غارقاً في عرق غزير .. ورغم تأكدي التام من أن ما واجهته كان مجرد (أضغاث أحلام) إلا أن شئ ما في داخلي تمنى لو كان حقيقة .. وعندها فقط .. إبتسمت في سخرية مريرة!

الثلاثاء، 20 يوليو 2010

تكبيرة .. (قصة قصيرة جداً).


على قصاصة ورق متسخة أخذ يرسم شارداً بعض الخطوط الغير متناسقة ، وعلى طريقة المنطق والمعادلات الرياضية أخذ يكتب :
هي = خيانة
أنا = حماقة
هي + أنا = غدر وخيانة وزيف
أنا + هي = فشل وألم و وجع
توقف عن الكتابة متأملاً في صمت ما خطته يداه ثم إنفجر ضاحكاً للحظات وهو لا يدري لماذا يضحك .. صمت من جديد في شرود ثم إنتفض واقفاً وإتجه نحو سجادة الصلاة. توقف قليلاً ثم رفع يديه إلى السماء قائلاً : الله أكبر.

الأحد، 4 يوليو 2010

رمية زهر

- كده راحت يا حلو !
قالها بمزيج من الفرحة الطاغية والتشفي والشماتة لصديقة وهما جالسان على ذلك المقهى المتواضع المضاء بإضاءة صفراء واهنة تخبئ أكثر مما تظهر ، فرد عليه صديقه معترضاً :
- لأ لسه .. وحتى لو راحت ... ما أنا كسبتك قبل كده مليون مرة وياللا ياعم إكسب مرة من نفسك.
لم يستطع أن يعلق على كلمات صديقه فقد كان يعلم جيداً أنه على حق .. إنه لم يربح قط من قبل .. ليس في الطاولة فقط ولكن في كل شئ .. إنه من ذلك النوع الذي لا يربح أبداً .. ولم يسبق له أن حقق أي من أمانيه رغم تواضعها .. حقيقة لم يربح قط.
قضى سنوات طوال يجاوب على أسئلة المسابقات التلفزيونية على أمل أن يربح ولو لمرة واحدة بلا فائدة. تنقل من وظيفة إلى أخرى ومن عمل إلى آخر بدون أن يحقق أى نجاح يذكر.
وحتى الحب فشل فيه فشلاً ذريعاً .. أحبها كما لم يحب من قبل .. وحطمته كما لم يحطم أحد من قبل ... تزوج عله ينساها وأضاع الكثير من السنوات في زيجة فاشلة متهورة مع زوجة أشبه ما تكون بالعاهرات .. دمرت البقية الباقية من حياته وأنهت على سمعته حتى خرج من تلك الزيجة وهو كالمعتاد الخاسر الوحيد.
(بكره تتعدل) كلمة ملها إلى درجة الموت لأنه قد سمعها آلاف المرات حتى أجبر نفسه أن تكف عن الشكوى وتستسلم منهزمة منكسرة ولم يعد له من متفث سوى ذلك المقهى المتواضع والذي يأتيه كل يوم على أمل أن يفوز بأي شئ .. أي شئ .. حتى ولو كان هذا الشئ مجرد (عشرة طاولة).
- رحت فين ؟
قالها صديقه وهو يتأمل قطرات العرق والتي قد تجمعت على جبهته رغم برودة الجو في إشارة صارخة إلى توتره مما دفع صديقه إلى الإسترسال متهكماً :
- إيه يا عم العرق ده كله؟ إنت مش مصدق إنك هتكسب ولا إيه ؟
ورغم لهجة صديقه الساخرة إلا أنه إستقبل الكلمات وهو يعلم جيداً أن الرجل لم يقل إلا الحقيقة ، إزداد توتره أكثر وأكثر وهو يستمع إلى صديقه وهو يقول :
- شوف .. إنت إحتمالات فوزك كبيرة أوى تقدر تقول 99.9% زى الإنتخابات إياها ..بس عموما أنا عندي أمل واحد بس .. 3 دش * ورا بعض.
وجد نفسه يهتف بعصبيه شديدة :- وده طبعاً مستحيل.
صمت صديقه قليلاً وهو ينظر مباشرة في عينيه الزائغتين ثم تحدث قائلاً :
- رمية الزهر مفيهاش مستحيل .. رمية الزهر زي الدنيا إللي إحنا عايشين فيها ..فيها كل شئ ممكن ..رمية الزهر زي الحظ ..ساعات بتدي كل حاجه وساعات بتاخد كل حاجه.
وصمت قليلاً وسرح بناظريه بعيداً ثم إسترسل قائلاً بصوت خفيض :- صدقني يا صاحبي حياتنا كلها عشرة طاولة، وفي كل يوم بنرمي الزهر ونستنى الدش إللي يخرجنا من همومنا ويحل كل مشاكلنا لكن للأسف زهر الحياه مفيش فيه دش ، ومع إننا عارفين ده كويس لكن بنحلم وبنعشم نفسنا ودايماً نقول (بكره تتعدل).
صمتا تماماً وسرح كل منهما مع أفكاره حتى قطع صديقه الصمت قائلاً : - ياللا نكمل .. خليك فاكر أنا محتاج 3 دش.
صرخ في أعماقه قائلاً بلا صوت :- لن تربح هذه المرة .. أنا الفائز لا محالة.
شعر بوخز بسيط فى صدره وهو يرى صديقة يلقي بحجري الزهر وتابعهما ببصره وهما يتخبطان على سطح الطاولة الخشبى ..توقف الأول عند الرقم 6 أما الآخر فإستمر يتخبط كثيراً ثم توقف ببطء أيضاً عند الرقم 6.
- الله أكبر.
قالها صديقه متحمساً بسعادة ثم أستطرد قائلاً : دي أول حاجه لسه إللي جاي أكتر وزي ما بيقولوا أول الغيث قطرة.
إزداد الألم في صدره تدريجياً مع رمية الزهر الثانية ثم إنتفض جسده بقوة وهو يرى زوجاً جديداً من الرقم 6 ظاهراً وجلياً أمام عينيه .. ومع صيحات صديقه المتحمسة والتي دفعت كل رواد المقهي إلى متابعة المباراة الدائرة بينهما بدأ يشعر بتسرب الحلم من بين أصابعه .. ليس الحلم بأن يفوز في مباراة الطاولة ولكنه حلم قضى عمره بالكامل يحاول أن يحققه بلا فائدة .. الحلم بأن يشعر بالنجاح .. الحلم بأن يكون سعيداً .. الحلم بأن يتخلص من الفشل الملازم له دائماً ..أحلام كثيرة تم إختصارها ومسخها وتحويلها إلى مجرد الحلم بالفوز فى .. (عشرة طاولة).
أصبح الألم في صدره غير محتملاً ولكنه إحتمله .. أجل إحتمله كما إحتمل الكثير من الألم من قبل .. إحتمله وهو يجمع كل أحلامه في نظرة عينيه والتي إغرورقت بالدموع وهو يتابع صديقه وهو يرمي بالزهر للمرة الثالثة والأخيرة.



*الدش = 6+6

السبت، 19 يونيو 2010

كريم كراميل


لا أدري لماذا تذكرتكِ وأنا أداعب بملعقتي طرف ذلك الطبق الصغير والذي يتوسطه قالب أصغر من الكريم كراميل أجبرتُ إجباراً على تذوقه وأنا الذي قضيتُ عمري لا أطيقه ولا أستسيغه.
كنت في زيارة مفاجأة لأحد الأصدقاء والذي مررتُ بالمصادفة من أمام منزله فتذكرته وعاتبت نفسي على أننى لم أزره منذ فتره طويلة. وهكذا وبعد مكالمة تليفونية سريعة وجدت نفسى جالساً على أريكة نصف مريحة في غرفة الصالون (المذهبة) والتي قد تقشر بعض أجزائها بفعل الزمن أتبادل مع صديقي الذكريات والكلمات والضحكات و أداعب أبناءه الصغار الذين أشبعوني ضجيجاً وصخباً حتى كدت أن أقسم أنهم لا ينقصهم إلا حوافر و أقدام ماعز لأجزم (بشيطنتهم).
وبعد طرقات هادئة على باب الغرفة تقدمت زوجته مرحبة لتقدم لي ذلك الطبق المستدير - والذي لطالما زارني في كوابيسي - قائلة بإبتسامة واسعة : إتفضل كريم كراميل.
لم أستطع الرفض فإبتسامتها الواسعة - والتي قد إلتهمت نصف وجهها - كانت تحتوي على العديد من المعاني في مزيج غير متوائم من الفخر والرجاء. الفخر بأنها قد إستطاعت أن تصنع ذلك (الشئ) المسمى بالكريم كراميل، والرجاء أن أقول أنه أفضل ما تذوقت طيلة عمري.
لم أخيب أملها وتحدثت بلهجة لم تنجح في أن تقنعني أنا نفسي قائلاً أنني واثق من روعته حتى قبل أن أتذوقه.
تشاغلتُ بالحديث معهما وأنا أدعو الله أن تنسى أو تتناسى أنني لم أذقه حتى الآن إلا أنها خيبت رجائي قائلة بإبتسامة محذرة تلك المرة : إتفضل الكريم كراميل.
وهكذا بيد مرتجفة أمسكت بالطبق ورفعته قليلاً وأنا أتأمل ملامحه ولونه الذهبي المكسو بطبقة تميل إلى السواد من أعلى وعندها تذكرتكِ.
أعرف جيداً لماذا أكن كل تلك الكراهية للكريم كراميل وذلك لأنني أراه مزيفاً .. أجل مزيفاً .. لونٌ ذهبي براق .. ومذاق السكر المحترق. والآن .. فقط الآن .. إستطعت أن أربط بينكما (أنتِ والكريم كراميل) فأنا أعلم أنكِ بنفس تلك الدرجة من الزيف .. شكل رائع وطعمٌ محترق.
وهكذا بمزيج من الرفض والإشمئزاز أعدت الطبق إلى المنضدة وتشاغلت بالحديث معهما إلا أنها أبت أن تتركني على هذا النحو وأتاني صوتها الهادئ عنيفاً متحدياً : إتفضل كريم كراميل.

الجمعة، 8 يناير 2010

ربما يكون مغلقاً .. قصة قصيرة


بعد طول غياب إلتقت عيناهما مصادفةً فتوقفا في ذهول .. صمتا كثيراً كثيراً وعيونهما تتطلع كلٌ إلى الأخر في إنبهار محموم .. أختلفت نظراتهما ما بين العتاب والرجاء والخجل و إن ربط بينهما الصمت كميثاق وقسم يمكن قراءتة فى العيون بلا صوت.. تحدث بعد سكون طويل قائلاً ..
- حمد لله على سلامتك.
- الله يسلمك.
- رجعتي إمتى ؟
- من إسبوعين تقريباً.
وصمتت مترددة ثم إسترسلت قائلة بصوت خفيض مرتعش ..
- أنا إنفصلت عن جوزي.
شعر بإنتفاضة قوية تختلج في قلبه حاول جاهداً أن يخفيها داخله لكيلا تظهر على ملامحه وهو يقول ..
- أوه .. ليه بس كده؟
- النصيب.
- معلش.
ومن جديد عاد الصمت ليخيم عليهما حتى قطعته هي قائلة ..
- إنت إتجوزت؟
- لأ.
بسعادة ظهرت واضحة في نبرات صوتها سألته..
- ليه؟
- زى ما إنتِ قلتي .. النصيب.
- رقم تليفونك إتغير؟
- لأ.
- وأنا كمان رقمي متغيرش.
يبتسم إبتسامة صغيرة مرتبكة وتسترسل هي قائلة في دلال ..
- وحشتني.
- و إنتِ كمان.
- طيب أنا مضطرة أمشي .. هستنى تليفونك.
- إن شاء الله.
تنصرف مبتعدة وتتركه وهو لا يدري ما أصابه .. قلبه يخفق في قوة ومشاعر كان قد ظنها ماتت في داخله تستيقظ من جديد .. يتحرك مبتعداً بخطوات بطيئة متثاقلة حتى يصل إلى منزله ويستلقى مسترخياً على مقعده الوثير تاركاً لأفكاره العنان .. ها هي قد عادت بعد غياب طويل ويبدوا واضحاً من كلماتها ونظراتها أنها مازالت تحتفظ بمشاعرها تجاهه أو أن رؤيتها له قد إيقظت داخلها شئ من حنين إليه.. ولكن ماذا عنه هو ؟ هل حقاً ما زال يحبها ؟
يستفيق من أفكاره مع رنين هاتفه المحمول .. يمد يده ويتناوله في هدوء متطلعاً إلى شاشته الصغيرة ويخفق قلبه في قوة .. إنه رقمها .. إنها تتصل به حقاً .. بعد تردد لم يستغرق أكثر من لحظات يجيبها قائلاً ..
- ألو.
- إزيك ؟
- الحمد لله أنا كويس.
- وحشتني أوى.
يصمت فتسترسل قائلة ..
- أنا عارفة إني غلطت لما سبتك و إتجوزت واحد تاني لمجرد إن عنده فلوس كتير .. وأنا دفعت ثمن غلطتي وندمت ورجعت وأنا بتمنى إنك تسامحني.
- ..............
- ممكن ترد على كلامي؟
- ..............
- أرجوك رد عليا.
- أرد أقول إيه؟
- قول أى حاجه .. بس إتكلم .. سكوتك بيعذبني .. أرجوك .. طيب قوللي إيه رأيك نتقابل؟
- حاضر.
- طيب بكره الساعة 6 في نفس المكان إللي كنا بنتقابل فيه .. إيه رأيك؟
- حاضر.
- هتوحشني.
- و إنتِ كمان.
لم يستطع النوم في ليلته تلك .. أخذ يفكر حتى صرخ عقله من الإرهاق .. وبعد طول عناء وبعد أن بدا قرص الشمس واضحاً في السماء استسلم جسده المرهق وراح في سبات عميق.
وحين فتح عيناه كانت الشمس في طريقها للمغيب .. أخذ يفكرفي قصتهما سوياً ..تذكر كيف عاشا قصة حبهما والتي شهد عليها أيام جميلة .. تذكر مشاعره التي منحها لها بلا حدود ..تذكر تطلعاتها وطموحها الزائد ورغبتها في الوصول إلى الثراء بسرعة كبيرة.
تذكر كيف تركته بقسوة شديدة بعد أن منحها عمره كله وكيف قالت له أنها أحبته و أن حبها ومشاعرها نحوه قد أخفت عنها فقره وأنها حين رأت الدنيا بشكل أوضح إكتشفت وجود من هو أفضل منه.
يتسلل إلى أذنيه صوت هاتفه فيلتفت إليه بحركة حادة .. يعلم جيداً أنها هي ..ينظر إلى تلك الساعة المعلقة على الحائط فيجدها قد تجاوزت السادسة بقليل ..بحزم يتسائل .. هل أستطيع النسيان ؟ هل أستطيع الصفح لمجرد أنها عادت بعدما فقدت الكثير والكثير وأصبحت كالتاجر المفلس الذي يفتش في أوراقه القديمة عله يجد فيها ما يخرجه من أزمته .. كان يعرف جيداً أنه ورقتها الوحيدة وأنها ستبذل ما في وسعها من أجل إستعادته من جديد ..تتنازعه الأفكار ورنين الهاتف يستمر بإلحاح.. يداه ترتجفان والعرق يتصبب على جبينه والتردد يقتله .. ركز أفكاره قليلاً وبحسم إتخذ قراره ..مد يده وضغط على زر رفض المكالمة .. صمت قليلاً ثم تنهد بإرتياح بالغ و تحدث لنفسه قائلاً .. عفواً سيدتي .. إن القلب الذي تطلبينه لا يمكنه الرد على إتصالك الآن !

الثلاثاء، 31 مارس 2009

الملاااااااحة .. الملااااااااااااحة .. قصة قصيرة.




طماع بنى بيت .. مفلس سكن فيه !! تذكر هذا المثل وهو يجلس بداخل تلك الغرفة المظلمة ذات الرائحة العطنه .. حزن شديد يغزوه ولا يجد له حلاً سوى الإستسلام .. يشرد قليلاً مع أفكاره ويعود بذاكرته إلى الوراء .. منذ بضعة أسابيع مضت..
- طيب والحل ايه ؟؟ قسط المدرسة بتاعة الولد ميعاده فات من أكتر من شهر وأنا محرجة جداً .. إنت لازم تتصرف.
- أتصرف إزاي ؟ إنتى عارفة إن المرتب مش بيكفي مصاريف البيت ومع كده صممتي إننا ندخل الولد مدارس لغات .. مالها المدارس الحكومية ؟ ولا هي منظرة وخلاص ؟؟!!
ويتطور النقاش بينه وبينها وترتفع أصواتهم حتى يفقد سيطرته على أعصابه فترتفع كفه ثم تهوي بصفعة مدوية على وجه زوجته ..في ذهول صمتت الزوجة للحظات ثم إنفجرت باكية وهرولت مبتعدة عنه، وفي دقائق معدودة كانت قد حزمت حقائبها وحملت الطفل مغادرة المنزل ..لم يحاول أن يستوقفها ، فقد كان يعرف أن كلاً منهما في حاجه إلى هدنة لا يعلم مدتها إلا الله سبحانه وتعالى.
أيام مرت عليه وهو يحيا في وحدة موحشة .. تكاثرت عليه الديون وكثرت مطالبات الدائنين له بالسداد. تذكر أحد أصدقائه القدامي والذي يعمل كساقي في واحد من الملاهي الليلية الواسعة الشهرة وقرر أن يذهب اليه ليقترض منه بعض المال، وهكذا وجد نفسه يعبر من بوابة الملهى الليلي اللامع، الشديد التأنق بصورة مبالغ فيها مما يعطي إنطباعاً غير مريحاً لا تخطئه العين.
ووجد صديقه يقف خلف (البار) المرتفع والذي يجلس أمامه شخصان تبدو عليهما علامات الثراء. بهدوء جلس على مقعد ثالث أمام (البار).. ثواني قليلة ثم إلتفت له صديقه قائلاً :
- أهلاً أهلاً .. إيه المفاجأة الحلوة دي ؟ أخبارك إيه ؟
- الحمد لله .. إنت إيه أخبارك؟
- مالك؟ شكلك مهموم!
- شوية ظروف مش ولابد .. أنا جيتلك علشان كده.
-طيب ثواني وأكون معاك.
أومأ برأسه إيماءة خفيفة تعني الموافقة وجلس يتأمل ما حوله .. كان الوقت لا يزال مبكراً والمكان لم يزدحم بعد .. عدد قليل من الزبائن جالسين على بعض المقاعد والتي لازال أغلبها في إنتظار زبائن آخر الليل .. دار بعينيه متأملاً الرجلين الجالسين بجواره .. كان أحدهما أبيض البشرة ، حاد الملامح .. يدخن سيجاراً من النوع الفاخر ويحتسي كأساً من الخمر ..أما الآخر فكان ينظر تجاه صاحبه مما لم يمكنه من رؤية كل تفاصيل وجهه وإن كانت ملامح الثراء تبدو واضحة عليه من ثيابه الأنيقة ومعطفه الثقيل والذي وضعه على حافه المقعد الذى يجلس عليه و .......
توقف عن التأمل وتركزت عيناه على ذلك المظروف الورقي الذى يظهر بوضوح من داخل المعطف .. ذلك المظروف المفتوح والذي تبرز من داخله رزمة من الأوراق الماليه فئة المائة دولار .. رزمة يتضح من حجمها أنها لن تقل بأي حال عن عشرة الآف دولار.. تتسارع دقات قلبه وهو ينظر إلى الأوراق الماليه بإشتهاء قاتل .. يغلق عينيه قليلاً فيرى نفسه وقد سدد كل ديونه ويحتضن زوجته و إبنه .. يرى نفسه يتناول العشاء في مكان فاخر وزوجته و إبنه بجواره يضحكان في سعادة .. أفاق من أفكاره وتركزت عيناه من جديد على النقود .. تلفت حوله فوجد كل الموجودين منشغلين بالتحدث كل إلى رفيقه .. أما صديقه فكان منشغلاً مع أحد الزبائن الجدد والذى قد جلس طالباً بعض الشراب .. وهكذا مد يده المرتجفة ليلتقط بها المظروف بعد تردد شديد ويخفيه بداخل ثيابه بحركة سريعة والعرق يتصبب على جبينه بغزارة.
- مالك يا إبني ؟
قالها صديقة متسائلاً وهو يشير إلى العرق المنهمر منه.
- الجو حر أوي .. بقولك إيه أنا مش عاوز أعطلك .. أنا كنت عاوزك تشوف شغل لإبن المدير بتاعي .. هو خريج سياحه وفنادق وعاوز يشتغل أى حاجه.
- حر إيه بس في الشتاء ده ؟ عموماً سيبني يومين و أنا أرد عليك في موضوع الشغل.
- ماشي الكلام .. سلام دلوقتي.
- طيب إستنى إشرب حاجه.
- لا يا عم .. الله الغني عن الحاجات إللي بتتشرب عندكم.
وهكذا يغادر مسرعاً ويستوقف إحدى سيارات الأجرة ليذهب إلى بيته . و أثناء تأمله للطريق تستوقفه لافته مكتوب عليها (صرافة) فيتحسس المظروف الذي يخفيه في طيات ثيابه ويتحدث للسائق قائلاً :
- ثواني يا أسطى .. أنا هنزل هنا.
- زي ما تحب يا أستاذ.
نقد السائق أجره وبخطوات سريعة دخل إلى مكتب الصرافة ..
- أي خدمة يا فندم ؟
- عاوز أغير دولارات.
- تحت أمرك .. كام المبلغ ؟
- دول .. تقريباً عشرة آلاف .
- تحت أمرك.
ويأخذ الصراف النقود ويصمت قليلاً ثم يقول:
- إتفضل إستريح لغاية ما أجهزلك الفلوس.
يجلس مسترخياً على أحد المقاعد الجلدية الوثيرة وقد قرر أن يذهب إلى مدرسة إبنه كي يدفع القسط المتبقي وبعد ذلك يذهب إلى منزل أسرة زوجته ليسترضيها ويرجع معها إلى منزلهما .. ولكن لا .. سيذهب قبل ذلك إلى أحد محلات الصاغة ليشتري لها هدية ذهبية إعتذاراً منه عما حدث.
- إنت يا أستاذ.
- نعم ؟
- إتفضل معايا.
- أتفضل معاك فين؟
- هتعرف دلوقتي.
- مين حضرتك ؟؟
- مباحث.
أسقط في يديه .. لم يكن يتخيل أن يسقط بهذه السرعة .. يسرق لأول مرة في حياته وبعد دقائق قليلة يتم القبض عليه .. وهكذا مستسلماً غادر المكان مع رجال المباحث والذين إقتادوه إلى قسم الشرطة ، وهناك قام أحد الضباط بإستجوابه.
- إنت رحت مكتب الصرافة تغير دولارات ؟
- أيوة.
- جبتهم منين ؟
- .......
- بقولك جبتهم منين ؟؟
- أنا .. جبتهم .. من ...
ولم يستطع أن يقاوم دموعه والتي قد إنهمرت بغزارة دفعت الضابط لأن يسترسل قائلاً :
- إنت متهم بحيازة دولارات مزورة ودي تهمة خطيرة جداً.
مزورة ؟؟!!!! ... مزورة ؟؟؟!!! .. لا يدري لماذا تذكر ذلك المشهد من فيلم العار والذي يفقد فيه محمود عبد العزيز عقله ويقول الملاااااااحة الملاااااااااحة ... يتذكر المشهد بكل تفاصيله فينفجر ضاحكاً في هيستريا.

الجمعة، 20 مارس 2009

بووووووووووووسطة



عام كامل مر على رحيلها .. منذ أن أوصلها إلى المطار لتقوم بزيارة سريعة - على حد قولها - إلى أسرتها فى ذلك البلد الأوربي البارد. عام كامل مر على إنقطاع أخبارها تماماً .. كل أرقام هواتفها في بلدها لا تعمل .. لم ترد على أى من خطاباته .. عام بلا شئ.
عام كامل لم يتوقف عن الذهاب إلى مكتب البريد ليسأل عن خطاب طال إنتظاره له .. والنتيجة دائماً لا شئ. يتذكرقصة الحب الطويلة التى جمعتهما والتي قد كللت بثلاثة أعوام من الزواج السعيد .. يتذكركيف كان الجميع يعارضونه في هذا الزواج نظراً لأختلاف العادات والتقاليد بين مجتمعنا الشرقي وبين مجتمعها الأوربي المتحرروكيف إستسلم الجميع ورضخوا أمام إصراره ..يتذكر إبنه الجميل كالبدر والذي أخذته معها لكي يراه أهلها ..يتذكر دموعها في المطار وقولها له بأنها سوف تفتقده كثيراً و أنها ستعود بأقصى سرعة ممكنة .. أيام وأيام مرت بلا أدنى شئ منها .. يتذكر محاولاته المضنيه لمعرفة أسباب إختفائهاوالتي قد كانت كلها بلا فائدة ..
ينتبه على طرقات لحوحة على باب شقته ... يشعر بعدم الرغبة فى الحركه ولكن الدقات تزداد بإصرار يدفعه للنهوض بتكاسل والتحرك بإتجاه الباب .. وعلى الباب وجد شخصاً بدا له مألوفاً ...
مساء الخير يا أستاذ .. إنت مش عارفنى ؟
- مين حضرتك.
- أنا موظف مكتب البريد. الجواب اللي حضرتك بتسأل عنه من فتره كبيرة وصل وانا جبتهولك.
بلهفه ما بعدها لهفة مد يده ليختطف الخطاب الأنيق ويفض مظروفه بسرعة كادت تمزق الأوراق التى بداخله ...
كان خطاباً رسمياً من السفارة المصرية في بلد زوجته الأوربي
السيد ......
بعد التحية
نحيط سيادتكم علماً بأن السيدة ...... قد حصلت على حكم قضائي بالطلاق منكم طبقاً للقوانين ال..............................
لم يستطع أن يكمل قراءة الخطاب فقد مادت به الأرض وإغرورقت عيناه بالدموع.

الخميس، 5 مارس 2009

يوماً قد تجمعنا الحافلة


وحدي أقف بعد يوم ٍ من العمل الشاق منتظراً الحافلة .. ليلة شديدة البرودة تتساقط فيها قطرات من مطر بدأ رقيقاً ثم إزداد رويداً رويداً حتى وصل إلى درجة التوحش .. تتسلل البرودة القارسة عبر ثيابي حتى تصل إلى عظامي فأمد يدي المرتعشة لأحكم إغلاق معطفي الثقيل عله يجلب لي بعضاً من الدفء والذى بدا لي كحلم بعيد المنال.
طال إنتظاري وحيداً ثم بدا لي ما يشبه شبح حافلة تقترب من بعيد ، يظهر المطر منهمراً تحت ضوئها الأمامي القوي والذي جعل من الرؤية شيئاً عسيراً.
كانت حافلة بلا لوحات تشير إلى الجهة التي ستذهب إليها . أشرت بيدي وأنا أعلم جيداً أن السائق لن يتوقف، لكنه - ويالا العجب - توقف وفتح الباب الأمامي فبادرت بسؤاله :
- بتروح مصر الجديدة يا أسطى ؟
- لأ يا أستاذ أنا رايح شبرا، مفيش حاجة بتروح مصر الجديدة من هنا ممكن تركب معايا وتنزل رمسيس وتغير من هناك.
في الواقع كان إقتراحاً جيداً وربما بدا لي أفضل الحلول المتاحة بدلاً من الإنتظار تحت وطأة الأمطار والبرودة القارسة .. وهكذا وجدت نفسي أجلس على مقعد منفرد من مقاعد الحافلة الشبه خاليه .. عدد قليل جداً من الركاب لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة .. لم أتعجب من ذلك فمن هو ذلك الشخص الذي تسول له نفسه الخروج في ذلك الطقس ؟!
دغدغ الدفء الموجود داخل الحافلة حواسي فشعرت بإسترخاء شديد استسلمت له وأنا أقاوم الرغبه في النعاس والتي أشعلتها بداخلي تلك الإهتزازات الناعمة للحافله والتي تسير على أرض ملساء زلقة من أثر الأمطار المنهمرة. بذلت العديد من المحاولات المضنيه - والتي قد باءت جميعها بالفشل - لكي أتطلع إلى الطريق من خلال النافذة الزجاجية والتي قد حولها البخر المتكون فوقها إلى ما يشبه المرآة. وفي ذلك الإنعكاس رأيتها ..وحيدة تجلس على أحد مقاعد الحافلة منكمشة بجسدها الضئيل كعصفور مبتل .. فاتنة هي .. أجل فاتنة .. بكل ما تعنيه الفتنة ..وجه رقيق جميل .. ملامح ملائكية بريئة .. إلتفت إليها متطلعاً إلى وجهها العذب وأنا لا أدري ماذا أصابني ! خفقات قلبي تتسارع وأشعر بخفقة جديدة لا أدري كنهها لكنها تهتف في أعماقي .. إنها هي .. أجل هي .. هي من أنتظرها منذ سنوات هي من كون خيالي صورتها وحفرها بداخل قلبي منذ نعومة أظافري والآن - ولحسن حظي - أقابلها. لن أضيع هذه الفرصة أبداً .. سأحاول متودداً أن أتحدث معها ولكن ماذا لو رفضت الحديث معي ؟؟.. ماذا لو إعتقدت أني شاب مستهتر يتسلى بمعاكسة الفتيات ؟؟ وماذا لو كانت مرتبطة بشخص آخر .. بعين متلهفة تفحصت يديها وتنهدت بصوت مسموع وبإرتياح بالغ حينما وجدتهما خاليتين من أي خاتم للخطبة أو الزواج .. والآن لا يوجد ما يمنعني من التقدم لطلب الزواج منها ولكن .. أنا لا أعرف أي شئ عنها .. لا أعرف أسمها ولا عنوانها ولا أي شئ .. ولكن .. لن يكون ذلك عائقاً أمامي .. سأنتظرها حتى تغادر الحافلة و أغادرها خلفها وأتتبعها حتى تصل إلى بيتها وهكذا أستطيع أن أتقدم لأهلها لأطلب الزواج منها . أغمضت عيني وتركت لأفكاري العنان .. تخيلتها بجواري تزين إصبعي بخاتم الخطبة وإبتسامة خجلة تعلو شفتيها .. رأيتنا نسير متشابكي الأيدي وذلك الدفء القادم من كفها الرقيق يثير بداخلي كل مشاعر الحب .. تخيلتها تشاركني كل حياتي .. تخيلتنا نطهو سوياً ونأكل سوياً ونخرج سوياً .. تخيلتها تغني بصوت عذب كعصفور رقيق.
- الأستاذ إللي عايز رمسيس يقرب من الباب.
إستفقت من أحلامي على هذه العبارة والتي قالها السائق بصوته الأجش .. حانت مني التفاتة سريعة نحوها ففوجئت بالمقعد خالياً .. لقد غادرت الحافلة حينما كنت غارقاً في أحلامي ولم أنتبه لها.
توقفت الحافلة ونزلتُ منها مشتت الأفكار . حزين .. شارد. أنا المخطئ ..لقد فقدتها إلى الأبد .. ولكن .. لا .. لن أفقدها بعدما لقيتها .. سأجدها .. أجل سأجدها .. سأستقل نفس الحافلة كل يوم .. سأنتظرها في نفس الموعد كل يوم .. ويوماً ما ربما تجمعنا رحلة جديدة.
ووسط البرودة التي إزدادت وطئتها مددت يداً مرتجفة لأمسح بها وجهي الذي لا أدري هل بللته الأمطار أم هي دموعي المنهمرة !!

أنا والراديو


هي ..رحلت ولن تعود .. أجل رحلت .. خارج حدود المكان والزمان. حزين أنا ، محطم .. أيام وأيام وأنا في عزلة إختيارية .. تائه عن كل ما يحيط بي ..لكن اليوم يختلف عن البارحة .. فقد إتخذت قراراً بالتغلب على أحزاني ..أجل .. سأحاول وأحاول حتى أستطيع فلابد للحياة أن تستمر - هكذا يقولون - مهما حاصرتنا الأحزان.
فى صمت وشرود أمد يدي إلى المذياع وأتنقل بيد مرتجفه بين موجاته باحثاً عن موجة مرحة ..أتذكر جملة طالما سمعتها (نجوم إف إم .. مية فصلة ستة .. مزيكا على كيف كيفك).. هذا تماماً ما أحتاج اليه .. حركت مؤشر المذياع إلى تلك الموجة ، موسيقى خفيفة ورجل يتحدث بصوت رزين .. هل هو أسامة منير ؟ ربما.
جلست ساكناً أتطلع إلى لا شئ.. يتسلل إلى أذني صوت هاني شاكر العميق العذب (راحوا إللي كانوا بيمسحوا بإيدهم دموعنا) ، أشعر بألم شديد يجتاح صدري وكأن يد قاسية تحكم قبضتها على قلبي .. (راحوا إللي كنا بنرمي في أحضانهم وجعنا) ، بيد مرتجفة أطفئ المذياع وتنساب دموعي في صمت.

أفتقدكِ كثيراً


أتقدم بخطىً متسارعة لأقف أمام صورتكِ رافع عيني لألقى عينيكِ .. أرى فيهما نظرة من عتاب صامت ، أهرب خَجِلاً كثيرًا حزيناً أكثر لأنظر فوق عينيكِ قليلاً وتحت عينيكِ قليلاً متنهدًا كقطار توقف لتوه وهو يعلم جيداً أنها محطته الأخيرة .. أعلم أنكِ رحلتي إلى مكانِ أفضل، كم تمنيت لو رحلنا سوياً فنؤنس بعضنا بعضاً.. تتساقط دموعي وأشعر بغصة في حلقي لأنكِ قد رحلتي بلا وداع ، ودون أن أراني في عينيكِ من جديد.

ألووو ..


إختلطت أفكاري وأنا أجلس مسترخيأً أنظر بعين مترددة إلى هاتفي. فاليوم يومها هي .. ذكرى يوم ميلادها .. يقتلني شوقي اليها..تكاد لهفتي لسماع صوتها أن تخنقني.
مضى عام كامل منذ آخر لقاء بيننا .. عام مر ثقيلاً وكأنه دهر ولكنني أبداً ما نسيتها. عام كامل ومازلت أتذكر جيداً بريق عينيها وهي تنظر لي نظرة خجلة حينما مددت يدي لأمسك يدها. أتذكر جيداً ذلك التيار الدافئ الذى شعرت به ويدها الهشة ترتعد بين أصابعي .. كم أحببتها وكم أحببت حبها لي.
تمر أمام عيني كل ذكرياتنا سوياً وكأنها كانت بالأمس القريب. أتذكر جيداً دموعها عند الفراق ووعدها لي بأنها ستظل تحبني إلى الأبد وأتذكر الكلمة المفضلة لنا ( Together forever).
لم أستطيع أن أقاوم نفسي أكثر من ذلك .. أمسكت بهاتفي وبيد مرتعشة ضغطت أزراره.. ما زال عقلي يحتفظ برقمها بين ثناياه. أستمع إلى رنين الهاتف ومعه تتسارع دقات قلبي. يأتيني صوتها العذب بكلمة (ألو) ..صوتها الدافئ يبدو كالملائكة .. إنتفاضه قوية يعلن بها جسدي عن خضوعة لسطوة الحب . آه حبيبتى .. كم أحبكِ .. أحبكِ بكل خلية فى قلبي وعقلي وروحي .
لم أقل إلا كلمة واحدة (أوحشتني).. صمتت قليلاً ثم سألت (من المتحدث ؟؟) .. أجبتها - بصوت يحمل فى طياته كل حب الكون - قائلأً (إنه أنا يا حبيبتي). صمتت و أنا أعرف أنه صمت اللهفة .. أعرف أن مشاعرها قد إشتعلت هي الأخرى وأن الحب قد إستيقظ قوياٌ فى أعماقها.
طال الصمت ثم تحدثت وانا أستمع إليها بكل حواسي وقالت بإقتضاب وجفاء جعلاني أشعر بأنني أحيا كابوساً .. ( الرقم خاطئ) !!

السؤال الحزين

متوحد .. منفرد بعزلته أخذ يتسائل .. هل كان حباً؟؟ هل كانت حقاً ذاك الحلم الذى يداعب مخيلته منذ صباه؟ يفكر حتى يصرخ جهازه العصبى صرخة إرهاق والنتيجة دائماً .. لا جواب .. يتذكر تسلل صوتها الدافئ إلى اعماقه فيرسل تنهيده حارة ويتسائل من جديد .. ماذا حدث له ولها؟ كانا كشخص واحد .. كشئ واحد .. أو عله كان متوهماً .. أو عله أو عله .. ذكرياته معها ترسله إلى عالم بعيد .. ينتبه إلى دمعة تسللت من بين جفونه .. يحاول جاهداً ان يبقيها بداخل عينه إلا أنها تأبى .. يتركها فتنساب بنعومة ودفئ على وجنته.. إنه يحبها .. لا مفر من الإعتراف ... يحبها من أعمق أعماقه .. حائر هو .. ضائع .. محطم .. أما هى .. فتحيا بإستمتاع .. لا تضيع من عمرها لحظة لا تعيشها .. ربما كان هو فى حياتها مجرد شخص كألف ألف شخص آخر ... شخص خرج ولن يعد.. شخص خرج ليدخل مكانه ألف ألف شخص آخر بيد مرتعشة يشعل لفافة تبغ و يسحب انفاسها بنهم واحدا تلو الآخر .. يتسائل بلا صوت .. ما هى الخيانة ؟؟ يحاول أن يبتعد بتفكيره ولكنه لا يستطيع سوى ان يصل اليها .. هى .. مرة آخرى هى .. ولا أحد غيرها ..لا يستطيع أن يبعد شبحها عن عينيه .. خائنه هى .. تقسم على ذلك كل قطرة دماء فى عروقة .. خائنة.. يشعر بمرارة فى حلقه مع ذكرى كلماتها .. يشعر بالألم يخترق كل خليه من خلايا جسده .. يحاول جاهداً أن يكتم صرخاته بداخله .. يصرخ بلا صوت .. يتأوه بدون أن تتحرك شفتاه .. يحاول جاهدا أن يوقف أفكاره ولكن .. لا فائده .. يبحث عن بصيص من الضوء وسط ذلك الظلام المطبق .. عن قطرة من الأمل وسط سيول من اليأس .. عن لمحة من الحياة وسط شواهد القبور .. ولكن هيهات .. فعندما وجد الضوء .. وجده ضوء أسود كئيب .. وعندما وجد الأمل .. وجد له مرارة نبات الشوك .. وعندما وجد الحياه وجدها بائسة مشوهة..يفكر ملياً ... من خسر من .. من يفتقد من .. لكنه يظل دوماً بلا أجوبة !!